الأحد، 9 فبراير 2014

موقف الاسلام من زواج القاصرات





حامد الحامد عندما يتسامع الناس عن فتاة تستشرف الحياة قد تزوجت بشيخ يستشرف الموت تتحرك مشاعرهم الإنسانية، وقيمهم الأخلاقية لاستنكار (صفقة الزواج) التي يقوم فيها وليّ الفتاة ببيع جسدها على من لا تفرح به، ولا تسعد برؤيته. ويتساءل بعض الناس: أيجوز هذا في شريعة بني الإنسان، بله شريعة الإسلام؟! ويجيبهم آخرون: بأن عقد النكاح ما دامت توفرت شروطه، وانتفت موانعه، ولم يحدد الشارع الحكيم سناً للزواج فما المانع منه؟! وأقول: أولاً: الشريعة الإسلامية جاءت في المعاملات -وعقد النكاح منها- بقواعد عامة كمنهج، ونماذج تفصيلية كمثال، وديننا دين الفطرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق". رواه أحمد وصححه الألباني. فمتى اتفق بنو آدم على عقد من العقود بأن فيه ظلماً -مثلاً- فإنه ظلم، ولا يجوز في شريعتنا الإسلامية. ثانياً:في تعريف القاصرات: القاصرات يبدو أنه مصطلح معاصر للفتيات اللاتي لم يبلغن، ومعناه: العاجزات، وتحديد القصور من عدمه مرجعه إلى الشرع، والفقهاء اختلفوا في تحديد السن كأحد مناطات التكليف، ومعظم القوانين الدولية جرت على ما اتفق مع مذهب الحنفية، وهو بلوغ ثمانية عشر عاماً -وهذا عند الأحناف في الغلام، وأما الجارية عندهم فإذا بلغت سبعة عشر- والكلام هذا في التكليف، وأما في الزواج فليس في الشريعة تحديد له؛ لأن هذا مبني على المصلحة، وكل فتاة تختلف مصلحتها عن الأخرى، وإنما اكتفى الشارع باشتراط الوليّ لصحة عقد النكاح ثقة بأمانته ومعرفته بمصلحتها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج عائشة وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع سنين. ثالثاً: هل من حق وليّ البكر أن يزوجها بغير إذنها؟ اختلف الفقهاء في ذلك لاختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم: "البكر تُستأذن"، والظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا من باب الرخصة، مراعاة لإنسانية البكر، وذلك لأن الحياء يغلب عليها، وليس المقصود ألاّ يُؤخذ رأيها، وأيّ فرق بين البكر والثيب في الحقوق الإنسانية؟! فالاستئذان رخصة، والاستئمار عزيمة، وإذا لم تتحرج البكر، وأخذت بالعزيمة، وأبدت أمرها بـ(نعم) أو (لا)، فلا يجوز حينئذ النزول عن أمرها أو العدول عنه، ويدل على هذا قول عائشة رضي الله عنها: "قلت: يا رسول الله، يُستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم، قلت: فإن البكر تُستأمر، فتستحي، فتسكت، فقال: سُكاتها إذنها". متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُستأمر اليتيمة في نفسها: فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها". رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وعن ابن عباس: "أن جارية بكراً أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم". رواه أبو داود وابن ماجة، وصححه الألباني. رابعاً: هل من حق ولي الفتاة أن يزوجها من ليس لها بكفء؟ لعل ما يثور حول (زواج القاصرات) يدور حول هذا السؤال؛ فليست المشكلة في زواج صغيرة أو كبيرة، وإنما المشكلة في تزويجها من ليس لها بكفء، فسن الفتاة وصف طرديّ أو غير مناسب أو علة غير مؤثرة -كما يقول الأصوليون-، وإلاّ فظلم أيضاً أن تُزوَّج التي بلغت العشرين أو الثلاثين من عمرها بشيخ أوشكت مدة صلاحيّته على الانتهاء. وجمهور الفقهاء بما فيهم المذاهب الأربعة يشترطون الكفاءة للنكاح، والقاعدة الفقهية أن: (تصرّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)، وهذا ينطبق على وليّ الفتاة، فإذا لم يتصرف لمصلحة الفتاة فينبغي أن تسقط ولايته، ويكون وجوده كعدمه، ويكون السلطان وليّ من لا وليّ له. والفقهاء نصّوا على أن الوليّ إذا عضل فإنه يفسق، وتنتقل الولاية إلى السلطان عند الجمهور، أو إلى الأبعد من أوليائها، والذي يزوجها بغير كفء أولى بالفسق؛ لأنه فوّت عليها المصلحة، وجلب إليها المفسدة، بعكس العاضل الذي لم يفسد عليها زواجها، ولكنه لم يأت به، والعاضل يمكن تدارك ما أضرّ به، وأما من زوّجها بغير كفء فكيف يمكن تدارك ضرره؟! خامساً: هل للسلطان تحديد سن معين كقانون لتزويج الفتاة؟ الأحاديث الواردة في استئذان البكر ليست ناسخة لزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة رضي الله عنها، وليس زواجه بها من خصوصياته، وإنما جاءت الشريعة بتزويج الفتاة من غير تحديد لسن معين، بشرط الولي الذي تُرِك له النظر في المصلحة، ونِعْمَ المصلحة أن يكون الزوج هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما إذا مرجت العهود وخفّت الأمانات فللسلطان أن يسنّ ما يشاء، مما فيه مصلحة في مثل هذه المسائل المبنية على المصالح، وليس في هذا مخالفة للشرع، بل هذا هو الشرع الذي جاء لإقامة العدل والحفاظ على المصالح، والذين يحتجون بأن الشارع لم يفعل مخطئون؛ لأنهم يحتجون بالعدم، والعدم إنما يحتج به فيما كان أصله التوقف؛ كالعبادات المحضة، وأما زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة فهذا فعل يدل على الإباحة، وهذا مع الأدلة الأخرى يدل على أن الأصل في زواج الفتاة مصلحتها لا سنها. وقد زاد عمر -رضي الله عنه- في جلد شارب الخمر إلى ثمانين جلدة، وأمضى الطلاق الثلاث طلقة واحدة، مع أن هذا على خلاف ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه فعل هذا من باب السياسة الشرعية، ومراعاة للمصلحة العامة؛ والمصالح تختلف باختلاف الزمان والمكان، فكيف بمصلحة عامة لم تخالف ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟! -والمسألة في تحديد سن الزواج وليس في حكم زواج الصغيرة-. وإمضاء الطلاق الثلاث طلقة واحدة -مثلاً- فيه مصلحة عامة، وقد يكون فيه ضرر على بعض الأشخاص، ولكن هذا ينبني على القاعدة الفقهية: (يُتحمَّل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، وقسْ على هذا. ولكن: ما فائدة تحديد سن الزواج إذا كان ولي الفتاة سيزوجها إذا بلغت ثمانية عشر من عمرها بمن لا يعرف في الحياة إلاّ جدها الذي توفي في الدهر الأول، ولا من الحياة إلاّ أدوية يتعلل بها قبل وفاته؟! ألا تكون هناك قوانين أو أنظمة تُعنى بمصلحة الأنثى: بنتاً وزوجة وأُمًّا وما شاءت أن تكون، وتكون (هيئة حقوق الإنسان) قريبة من الأنثى لبحث مشاكلها، والقيام بمصالحها، إذا لم يقدر لها الله ولياً مصلحاً؟



via احدث الالعاب على Lala Fatima مجلة لالة فاطمة مجلة المرأة المغربية ومغاربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق